Thursday 23 October 2014

الصداقة

جَلَسَتْ الْمَرْأَةُ فِي مَقْعَدٍ كَانَ فِي وَاجِهَةِ الْمَكْتَبِ، رَأَتْ مِنْ أَثْنَاءِ الْبَابِ صَدِيقَتَهَا التِي لاَعَبَتْ مَعَهَا فِي الصّغَر، اَلْمَرْأَةُ خَجِلَت مِنْ صَدِيقَتِهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَنْجَحْ فِي الْإِمْتِحَانَاتِ، وَصَد]قَتُهَا نَجَحَتْ فِ كلِّ الْإِمْتِحَانَاتِ بِاَرْقَامٍ فَائِقَةٍ مَعَ الدَّرَجَةِ الْأُولَى، سَمِعَتْ مِنْ صَدِيقَتِهَا الْأُخْرَى أَنَ مَارِي (قَدْ عُسّنَتْ) فِي الْمَكْتَبِ المُقَاطَعِي مُدِيرة، أَرْسَلَتْ عُيُونَهَا إِلَى الْبَعِيدِ وَبَدَأَتْ نُفَكِّرُ...، كَانَتْ طُطُولَتِي وَصِغَرِي عَصْرِيَ الدِّرَاسِيَّةِ ذاتَ فَرَحَ وَسُرُورٍ، وَكَانَتْ مَارِي تَرُوحُ إِلَى الْمَدْرَسَةِ بَعْدَ أَعْمَالِهَا فِي بَيْتِي، وَكَانَتْ أُمِّي تُرِيقُ لَهَا الْمَاءَ الدَّافِءُ الْأَرُزِيِّ مَعَ إِدَامٍ قَلِيلٍ، وَكَانَتْ مَارى تُسَارِعُ إِلَى الْمَدْرَسَةِ حِينَمَا كُنْتُ رَفيدَة وَرَاءَ الدَّرَّاجَةِ النَّارِيَّةِ لِأَبِي، ذَرَفَتْ عَيْنَهَا لَمَّا وَصَلَتْ ذِكْرَيَاتُهَا إِلَى الْمَاضِي الْمُتْرَف، مَعَ أَبِيهَا وَأُمِّهَا وَأَخِيها أَيُّ مَحَبَّةٍ وَمَوَدَّةٍ كَانَتْ فِي بَيْتِي، رَاتِبُ أَبِي الْكَافِي، وَالنَّارَجِيلَ وَالْأَرُزُ وَلْفُلْفُلُ تَنْصِبُ كِيسَ أَبِي وَحِسَابَ مَصْرِفِهِ، ...وَكَانَتْ الْأُمُّ تَتَصَدَّقُ كَثِيرًا، هِيَ أَحَبَّتْ مَارِي كَثِيرًا لِأَنَّهَا تُوفِّي عَنْهَا أَبُوهَا فِي صِغَرِهَا، وَكَانَتْ مَلاَبِسِ تُعْطَى لَهَا، هَزَّتْ الذِّكْرَنَاتُ مَشَاعِرُهَا.

اِطَّلَعَتْ صَدِيقَتَهَا الْقَدِيمَةِ مِنْ خِلَلِ سَدْلِ الْبَابِ. وَأَيْقَنَتْ أَنَّهَا هِيَ، داخِلَ هَذِهِ الْغُرْفَةِ صَدِيقَتُهَا الْمَدْرَسِيَّةِ حَاوَلَتْ الْمَرْأَةُ أَلاَّ تَرَاهَا مَرِي...

مَشَتْ إِلَى نَائِب الْمَدْرَسِ، وَسَوَّت كُلَّ الْإِسْتِمَارَاتِ لِطَلَبِ التَّبَرُّعِ مِنْ عُصْوِ الْمَجْلِسِ التَّشْرِيعِي... وَسَارَتْ...

بَدَأَتْ أَنْ تَعُودَ...

فُجْأَةً... نِدَاء مِنَ الْرَرَاءِ...

فَاطِمَة... قِض، أَنَا شُفتكِ قَبْلَ أَنْ أخْيَى... كَيْفَ حَالُكِ؟ وَكَيْفَ حَالُ الْأُمِّ...؟ صَافَحَتْ مَرِي فَاطِمَة وَعَانَقَتْهَا ذَرَفَتْ عَيْنَاهَا...

بَلْ... لَمْ يَخْرُجُ الْكَلِمَاتُ مِنْ فَمِهَا مَا تَكَلَّمَتْ فَاطِمَةُ شَيْئًا...

بَلْ سَكَتَتْ...

فَاطِمَة... لَمْ تَقِفُ مَنامِتَةٌ؟

لاَ... لاَ شَيْئَ... مَارِي...

اَلَحَّتْ فَاطِمَة عَلَى الْجَوَابِ مَارِي... مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ عِشْرِينَ سَنَوَاتٍ بِالْجَلْطَةٍ الْقَلْبِيَّةِ... وَاثْرَ ذَلِكِ مَرِضَتْ الْأُمُّ... وَأَصَابِهَا مَرَضَ الشَّلَلِ ثُمَّ... مَانَتْ الْأُمُّ... قَبْلَ ثَلاَثِ سَنَوَاتٍ، مَارِي... أَنَا الْآن وَحِيدَة.

أَتَيْتُ هُنَا لِطَلَبِ تَبَرُّعِ عُضْوِ مَجْلِسِ التَّشْرِيعِ.

أَحَسَّتْ مَارِي بِدَوْرَانِ الرَّأُسِ، مَاذَا أَنَا أَسْمَعْ يَا إِلَهِي؟

قَبْلَ ثَلاَثِينَ سَنَة...

طَارَتْ هُمُومُهَا إِلَى الْوَرَاءِ...

بَلْ... لَيْسَ هَذَا وَقْتُ الْهُمُومْ...

فَاطِمَة... ان شاء الله أَنَا أَشْفَعُ لِلْعُضْوِ الْمَجْلِسِ التَّشْرِيعِي بِسُرْعَةٍ، لاَ أَقْدِرُ يَا اُخْتِي أَن تَنْسَى مَاضِيًا.

عَابَقَتْ مَارِي زَمِيلَتَهَا الْقَدِيمَةِ، وغَنَّتْ بُلْبُلٌ مِنْ فَنَنِ شَجَرَةِ الْأَنْبُجِ كو...كو... بالفرح السُّرُورِ، أَجَابَتْ فَاطِمَة: يَا مَارِي أَنَا الْآنَ... كَمَا عَادَ أَبِي وَأُمِّي إِلَى حَيَاتِي... الله يُبَارِكْ فِيك. 

No comments:

Post a Comment